الأربعاء، 25 مارس 2009

حشو الكلام ::: قال الثعالبي ::: العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة وهو على ثلاثة أضْرُب

العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة وهو على ثلاثة أضْرُب:


قال الثعالبي في فقه اللغة وسر العربية
:
"
فصل في الحشْو

العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة،

وهو على ثلاثة أضْرُب:

ضَرب منها رديء مذموم،

كقول الشاعر:

ذَكَرْتُ أخي فَعاوَدَني * صُداعُ الرَّأسِ والوَصَبُ

فَذَكَر الرَّأس، وهو حشو مُسْتَغنى عنه

لأن الصُّداع مُخْتَصٌ بالرَّأس،

فلا معنى لذكره معه.

وكقول الآخر:

صُدودُكُمْ والدِّيارُ دانيَةٌ * أهْدى لِرأسي ومِفْرَقي شَيبا

فقوله: مفرقي، مع ذكر الرأس حشو بَغيض.

وكقول الآخر:

إذا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دولة امرئٍ * نَصيبٌ ولا حظٌّ تَمَنَّى زَوالَها

والنَّصيب والحظ بمعنى واحد.

وأما الضرب الأوسط فكقول امرئ القيس:

ألا هل أتاها والحوادِثُ جَمَّة * بِأنَّ امرأ القيسِ بن تمْلكَ بَيْقَرا

فقوله: والحوادثُ جَمَّة، حشو مُستغنى عنه، ولكن لا بأس به في موضعه. وكقول النَّابغة:
لَعَمْري وما عَمري عليَّ بِهَيِّنً * لَقَد نَطَقَتْ بُطْلاً على الأقارِعُ
فقوله: وما عمري عليَّ بِهَيِّنٍ، حشو يتم الكلام بدونه ولكنه محمود لما فيه من تفخيم اللفظ وتأكيد المراد.
وأما الضَّرب الثالث، فهو الحشو الحسن اللطيف كقول عوف بن مَحلم:
إنَّ الثَّمانينَ وبُلِّغْتَها * قد أحْوَجَتْ سَمعي إلى تَرْجُمانْ
فقوله: وبُلِّغْتُها، حشو مُسْتَغنى عنه في نظم الكلام، ولكنه حسن في مكانه وأوقع في المعنى المقصود. وكان بن عبّاد يسمِّي هذا الحشو: حشو اللوزينج، لأن حشو اللوزينج خير من خُبْزَتِهِ. ومن هذا الضَّرب قول طَرَفَة:
فَسَقى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها * صوبُ الرَّبيعِ وديمَةٌ تَهْمي
فقوله: غير مفسدها، حشو ولكن ما لحسنه نهاية. ومن ذلك قول عديّ:
فَلَو كنتَ الأسيرَ ولا تَكُنْهُ * إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقولُ
فقوله: ولاتكُنهُ، حشو لا يخفى حسنه وبراعته. ومن ذلك قول البُحتري:
إنَّ السَّحابَ أخاكَ جادَ بِمِثلِ ما * جادَتْ يَداكَ لو أنَّهُ لَمْ يَضْرُرِ
فقوله: أخاكَ، حشو ولكن ما لِحُسنه غاية. ومن ذلك قول ابن المُعتَز:
إنْ يحيي لا زال يحيا صديقي * وخَليلي من دونِ هذي الأنامِ
فقوله: لا زال يحيا، حشو يُربى على حشو اللوزينج، ومن ذلك قول أبي الطِّيب المتنبي:
ويَحْتَقِرُ الدُّنيا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ * يَرى كلَّ ما فيها وحاشاه فانِيا
فقوله: وحاشاه، حشوٌ يجمع الحُسن والطِّيب. ومن ذلك قول ابن عبَّاد:
قُلْ لأبي القاسم إن جِئْتَهُ * هُنِّيت ما أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ
كلُّ جَمالٍ فائق رَائقٍ * أنتَ بِرَغْمِ البَدْرِ أوتيتَهُ
فقوله: برغم البدْرِ، حشو يقطر منه ماء الظَّرفِ. ومن ذلك قول أبي محمد الخازن الأصبهانيّ رحمه الله للصّاحب:
فَإيهِ طَرْبَةً للعفوِ إنَّ الكريم وأنتَ مَعْناهُ طَروبُ
فقوله: وأنت مَعناه، حشو يَعجِزُ الوصفُ عن حُسنه وحلاوته. وكان ابن عباد يقول: إذا سمع قول يحيى بن أكثم للمأمون وقد سأله عن شيء: (لا وأيَّدَ الله أميرَ المؤمنين) هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المُرد المِلاح.

"

ليست هناك تعليقات: