مدونات فنون الكتابة

الأربعاء، 25 مارس 2009

قال الثعالبي : فصل في الطِّباق

فصل في الطِّباق

هو الجمع بين ضدين، كما قال تعالى: "فَلِيَضْحَكوا قَليلاً وَلِيَبْكوا كَثيراً"

وكما قال عزَّ وجلَّ: "تَحْسَبُهُم جَميعاً وقُلوبُهُمْ شَتَّى"

وكما قال عزَّ وجلَّ: "وتَحْسَبُهُمْ أيقاظاً وهم رُقودٌ"

وكما قال عزَّ من قائل: "ولَكُم في القِصاصِ حَياةٌ".

ومما جاء في الخبر عن سيِّد البشر صلى الله عليه وسلم (1) :

(حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمكارِهِ والنَّارُ بِالشَّهوات)

(النَّاسُ نِيام فإذا ماتوا انتَبَهوا)

(كفى بالسَّلامَة داءً)

(إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَخيلَ في حَياتِهِ والسَّخيَّ بَعْدَ موته)

(جُبِلَتْ القُلوبُ على حُبِّ من أحْسَنَ إلَيها وبُغْضِ من أساءَ إلَيها)

(احذَروا من لا يُرْجى خَيْرُهُ ولا يؤْمَنُ شَرُّهُ).

ومما جاء في الشعر قول الأعشى:

تَبيتونَ في المَشتى مِلاءً بُطونُكُمْ * وجاراتكم غَرْثى يَبِتْنَ خَمائِصا

وقول عبد بني الحسحاس:

إن كنتُ عبداً فَنَفسي حُرَّةٌ كَرَماً * أو أسْوَدَ الخَلقِ إني أبيضُ الخُلُقِ

وقول الفرزدق:

والشَّيبُ يَنْهُضُ في الشَّبابِ كأنَّهُ * ليلٌ يَصيحُ بِجانِبَيهِ نَهارُ

وكقول البُحتري:

وأمَّةٌ كان قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطها * دَهراً فأصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضيها

(1) قال حاتم الفرائضي بعض هذه لم يثبت فلا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال الثعالبي فصل في الكناية عما يُستقبح ذكره بما يستحسن لفظه

قال الثعالبي فصل في الكناية عما يُستقبح ذكره بما يستحسن لفظه





قال الثعالبي
:
"
فصل في الكناية عما يُستقبح ذكره بما يستحسن لفظه

هي من سنن العرب.

وفي القرآن: "وقالوا لِجُلودِهِمْ" أي فُرُوجَهم.

وقال تعالى: "أو جاءَ أحَدٌ مِنْكُم مِنَ الغائطِ" فكنى عن الحدث.

وقال تعالى: "فأتوا حَرْثَكُم أنَّى شِئتُمْ" وقال عزّ وجلّ: "فَلَمَّا تَغَشَّاها" فكنى عن الجِماع،

والله كريم يكني.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لِقائد الإبل التي عليها نِساؤه:

(رِفْقاً بالقَوارير) فكنى عن الحُرَم.

وقال عليه الصلاة والسَّلام: (اتقوا المَلاعِنَ)

أي لا تُحْدِثوا في الشَّوارع فَتُلْعَنوا.

ومن كنايات البُلَغاء:

بِهِ حاجَةٌ لا يَقْضيها غَيرُه، كناية عن الحدث.

وذكر ابن العميد مُحْتَشِما حلَفَ بالطَّلاق

فقال: آلى يميناً ذكرَ فيها حرائره.

وذكر ابن مُكرَّم سائلاً

فقال: هو من قرَّاء سورة يوسف،

يعني أنَّ السُّؤال يستكثرون من قراءة هذه السورة في الأسواق والمجامع والجوامع،

وكنى ابن عائشة عمَّن به الأبْنَة

بقوله: هو غراب، يعني أنَّه يواري سَوءَةَ أخيه.

وكنّى غيره عن اللقيط: بتربية القاضي.

وعن الرَّقيب: بثاني الحبيب.

وكان قابوس بن وشْمِكير إذا وصف رجلاً بالبلَه قال: هو من أهل الجنَّة، يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أ:ثر أهل الجنَّة البُله).
ومن كناياتهم عن موت الرُّؤساء والأجِلَة والملوك: انتَقَلَ إلى جِوارِ رَبِّه، استأثَرَ اللهُ بِه."

حشو الكلام ::: قال الثعالبي ::: العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة وهو على ثلاثة أضْرُب

العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة وهو على ثلاثة أضْرُب:


قال الثعالبي في فقه اللغة وسر العربية
:
"
فصل في الحشْو

العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة،

وهو على ثلاثة أضْرُب:

ضَرب منها رديء مذموم،

كقول الشاعر:

ذَكَرْتُ أخي فَعاوَدَني * صُداعُ الرَّأسِ والوَصَبُ

فَذَكَر الرَّأس، وهو حشو مُسْتَغنى عنه

لأن الصُّداع مُخْتَصٌ بالرَّأس،

فلا معنى لذكره معه.

وكقول الآخر:

صُدودُكُمْ والدِّيارُ دانيَةٌ * أهْدى لِرأسي ومِفْرَقي شَيبا

فقوله: مفرقي، مع ذكر الرأس حشو بَغيض.

وكقول الآخر:

إذا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دولة امرئٍ * نَصيبٌ ولا حظٌّ تَمَنَّى زَوالَها

والنَّصيب والحظ بمعنى واحد.

وأما الضرب الأوسط فكقول امرئ القيس:

ألا هل أتاها والحوادِثُ جَمَّة * بِأنَّ امرأ القيسِ بن تمْلكَ بَيْقَرا

فقوله: والحوادثُ جَمَّة، حشو مُستغنى عنه، ولكن لا بأس به في موضعه. وكقول النَّابغة:
لَعَمْري وما عَمري عليَّ بِهَيِّنً * لَقَد نَطَقَتْ بُطْلاً على الأقارِعُ
فقوله: وما عمري عليَّ بِهَيِّنٍ، حشو يتم الكلام بدونه ولكنه محمود لما فيه من تفخيم اللفظ وتأكيد المراد.
وأما الضَّرب الثالث، فهو الحشو الحسن اللطيف كقول عوف بن مَحلم:
إنَّ الثَّمانينَ وبُلِّغْتَها * قد أحْوَجَتْ سَمعي إلى تَرْجُمانْ
فقوله: وبُلِّغْتُها، حشو مُسْتَغنى عنه في نظم الكلام، ولكنه حسن في مكانه وأوقع في المعنى المقصود. وكان بن عبّاد يسمِّي هذا الحشو: حشو اللوزينج، لأن حشو اللوزينج خير من خُبْزَتِهِ. ومن هذا الضَّرب قول طَرَفَة:
فَسَقى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها * صوبُ الرَّبيعِ وديمَةٌ تَهْمي
فقوله: غير مفسدها، حشو ولكن ما لحسنه نهاية. ومن ذلك قول عديّ:
فَلَو كنتَ الأسيرَ ولا تَكُنْهُ * إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقولُ
فقوله: ولاتكُنهُ، حشو لا يخفى حسنه وبراعته. ومن ذلك قول البُحتري:
إنَّ السَّحابَ أخاكَ جادَ بِمِثلِ ما * جادَتْ يَداكَ لو أنَّهُ لَمْ يَضْرُرِ
فقوله: أخاكَ، حشو ولكن ما لِحُسنه غاية. ومن ذلك قول ابن المُعتَز:
إنْ يحيي لا زال يحيا صديقي * وخَليلي من دونِ هذي الأنامِ
فقوله: لا زال يحيا، حشو يُربى على حشو اللوزينج، ومن ذلك قول أبي الطِّيب المتنبي:
ويَحْتَقِرُ الدُّنيا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ * يَرى كلَّ ما فيها وحاشاه فانِيا
فقوله: وحاشاه، حشوٌ يجمع الحُسن والطِّيب. ومن ذلك قول ابن عبَّاد:
قُلْ لأبي القاسم إن جِئْتَهُ * هُنِّيت ما أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ
كلُّ جَمالٍ فائق رَائقٍ * أنتَ بِرَغْمِ البَدْرِ أوتيتَهُ
فقوله: برغم البدْرِ، حشو يقطر منه ماء الظَّرفِ. ومن ذلك قول أبي محمد الخازن الأصبهانيّ رحمه الله للصّاحب:
فَإيهِ طَرْبَةً للعفوِ إنَّ الكريم وأنتَ مَعْناهُ طَروبُ
فقوله: وأنت مَعناه، حشو يَعجِزُ الوصفُ عن حُسنه وحلاوته. وكان ابن عباد يقول: إذا سمع قول يحيى بن أكثم للمأمون وقد سأله عن شيء: (لا وأيَّدَ الله أميرَ المؤمنين) هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المُرد المِلاح.

"